الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وفي
في سائر بلاده وأوعد مَنْ يَعْصِرُها بالقتل فأرِيق على الأجناد والعوام منها ما لا تُحْصَى قيمتُه وكان ضمانُ ذلك في ديار مصر خالصة ألفَ دينار في كل يوم وكُتِب بذلك توقيعٌ قُرِىء على ے وفي العَشْر الأخير من ذي الحجة آهتمّ الملك الظاهر بإنشاء شَوَانٍ عِوَضأ عمّا ذهب على قُبْرُص وانتهى العمل من الشواني في يوم الأحد رابع عشر المحرم سنة سبعين وركب السلطان إلى الصناعة لإلقاء الشواني في بحر النيل وركب السلطان في شيني منها ومعه الأمير بدر الدين بيليك الخازندار فلما صار الشيني في الماء مال بمن فيه فوقع الخازندار منه إلى البحر فنهض بعض رجال الشيني ورمى بنفسه خلفه فأدركه وأخذ بشعره وخلصه وقد كاد يهلك فخلع عليه الملك الظاهر وأحسن إليه. وفي ليلة السبت السابع والعشرين منه خرج الملك الظاهر من الديار المصرية إلى الشام في نفر يسير من خواصه وأمرائه ودخل حصن الكرك وخرج منه وصحب معه نائبه الأمير عز الدين أيدمر وسار إلى دمشق فوصل إليه يوم الجمعة ثاني عشر صفر فعزل عنها الأمير جمال الدين آقوش النجيبي وولى مكانه الأمير عز الدين أيدمر المعزول عن نيابة الكرك. ثم خرج منها إلى حماة في سادس عشره ثم عاد منها في السادس والعشرين. وفيها أمر ملك التتار أبغا بن هولاكو عساكره بقصد البلاد الشامية فخرج عسكره في عدة عشرة آلاف فارس وعليهم الأمير صمغرا والبرواناه فلما بلغهم أن الملك الظاهر بالشام أرسلوا ألفا وخمسمائة من المغل ليتجسسوا الأخبار ويغيروا على أطراف بلاد حلب وكان مقدمهم أمال بن بيجونوين ووصلت غارتهم إلى عينتاب ثم إلى قسطون ووقعوا على تركمان نازلين بين حارم وأنطاكية فاستأصلوهم فتقدم الملك الظاهر بتجفيل البلاد ليحمل التتار الطمع فيدخلوا فيتمكن منهم. وبعث إلى مصر بخروج العساكر فخرجت ومقدمها الأمير بيسري فوصلوا إلى السلطان في خامس شهر ربيع الآخر وخرج بهم في السابع منه فسبق إلى التتار خبره فولوا على أعقابهم. وكان الظاهر لما مر بحماة استصحب معه الملك المنصور صاحب حماة ونزل الظاهر حلب يوم الاثنين ثاني عشر شهر ربع الآخر من سنة سبعين وستمائة وخيم بالميدان الأخضر ثم جهز الأمير شمس الدين آق سنقر الفارقاني في عسكر وأمره أن يمضي إلى بلاده حلب الشمالية ولا يتعرض لبلاد صاحب سيس وجهز الأمير علاء الدين طيبرس الوزيري في عسكر وأمره بالتوجه إلى حران. فاما الفارقاني فإنه سار خلف التتار إلى مرعش فلم يجد منهم أحدًا ثم عاد إلى حلب فوجد الملك الظاهر مقيما بها وقد أمر بإنشاء دار شمالي القلعة كانت تعرف بدار الأمير بكتوت أستادار الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب وأضاف إليها دارًا أخرى ووكل بعمارتها الأمير عز الدين آقوش الأفرم. ولفا عاد الفارقاني إلى حلب رحل الملك الظاهر منها نحو الديار المصرية في ثامن عشرين شهر ربيع الآخر ودخل مصر في الثالث والعشرين من جمادى الأولى. ولما وصل الظاهر إلى مصر قبض على الأمراء الذين كانوا مجردين على قاقون بسبب الفرنج لما أغاروا على الساحل ما عدا آقوش الشمسي ثم شفع فيهم فأطلقهم. وفي يوم الأربعاء ثالث جمادى الآخرة عدى الملك الظاهر إلى بر الجيزة فأخبر أن ببوصير السدر مغارة فيها مطلب فجمع لها خلقًا فحفروا مدى بعيدًا فوجدوا قطاطًا ميتة وكلاب صيد وطيورًا وغير ذلك من الحيوانات ملفوفًا في عصائب وخرق فإذا حلت اللفائف ولاقى الهواء ما كان فيها صار هباء منثورًا وأقام الناس ينقلون من ذلك مدة ولم ينفد ما فيها فأمر الملك وفي يوم السبت سابع عشرين جمادى الآخرة ركب السلطان الملك الظاهر إلى الصناعة ليرى الشواني التي عملت وهي أربعون شينيا فسر بها. وعند عوده إلى القلعة ولدت زرافة بقلعة الجبل وأرضع ولدها لبن بقرة. ثم سافر الملك الظاهر إلى الشام في شعبان وسار حتى وصل الساحل وخيم بين قيسارية وأرسوف وكان مركزًا بها الفارقاني فرحل الفارقاني عنها إلى مصر. ثم إن الملك الظاهر شن الغارة على عكا فطلب منه أهلها الصلح وترددوا في ذلك حتى تقررت الهدنة بينهم مدة عشر سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام وعشر ساعات أولها ثاني عشرين شهر رمضان سنة سبعين وستمائة. ثم رحل الملك الظاهر إلى خربة اللصوص ثم سار منها إلى دمشق فدخلها في الثامن من شوال وبينما هو في دمشق ترددت الرسل بينه وبين التتار وانفصل الأمر من غير اتفاق. وفي ذي الحجة توجه الملك الظاهر من دمشق إلى حصن الأكراد لينقل حجارة المجانيق إليها ورؤية ما عمر فيها ففعل ذلك. ثم سار إلى حصن عكار فأشرف عليها. ثم عاد إلى دمشق في خامس المحرم من سنة إحدى وسبعين وستمائة. وفي ثاني عشر المحرم المذكور أفرج الملك الظاهر عن الأمير أيبك النجيبي الصغير وأيدمر الحلي العزيزي وكانا محبوسين بالقاهرة. ثم خرج الملك الظاهر من دمشق في المحرم أيضًا عائدًا إلى الديار المصرية وصحبته الأمير بدر الدين بيسري والأمير آقوش الرومي وجرمك الناصري فوصل إليها في يوم السبت ثالث عشرين المحرم فأقام بالقاهرة إلى ليلة الجمعة تاسع عشرينه خرج من مصر وتوجه إلى دمشق فدخل قلعتها ليله الثلاثاء رابع صفر فأقام بدمشق إلى خامس جمادى الأولى. واتصل به أن فرقة من التتار قصدت الرحبة فبرز إلى القصير فبلغه أنهم عادوا من الرحبة ونزلوا على البيرة فسار إلى حمص وأخذ مراكب الصيادين على الجمال ليجوز عليها ثم سار حتى وصل إلى الباب من أعمال حلب وبعث جماعة من الأجناد والعربان لكشف أخبارهم وسار إلى منبج فعادوا وأخبروا أن طائفة من التتار مقدار ثلاثة آلاف فارس على شط الفرات مما يلي الجزيرة فرحل عن منبج يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأولى ووصل شط الفرات وتقدم إلى العسكر بخوضها فخاض الأمير سيف الدين قلاوون الألفي والأمير بدر الدين بيسري في أول الناس ثم تبعهما هو بنفسه وتبعته العساكر فوقعوا على التتار فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا تقدير مائتي نفس ولم ينج منهم إلا القليل وتبعهم بيسري إلى قريب سروج ثم عاد. وكان على البيرة جماعة كثيرة من عسكر التتار وكانوا قد أشرفوا على أخذها فلما بلغهم الخبر رحلوا عن البيرة ودخلها السلطان في ثاني عشرين الشهر وخلع على نائبها وفرق في أهلها مائة ألف درهم وأنعم عليهم ببعض ما تركه التتار عندهم لما هربوا. ثم رحل الملك الظاهر عنها بعساكره وعاد إلى دمشق. وفي هذه النصرة قال العلامة شهاب الدين أبو الثناء محمود كاتب الإنشاء - رحمه الله - قصيدة طنانة أولها: الكامل سر حيث شئت لك المهيمن جار واحكم فطوع مرادك الأقدار لم يبق للدين الذي أظهرته يا ركنه عند الأعادي ثار لما تراقصت الرؤوس وحركت من مطربات قسيك الأوتار خضت الفرات بسابح أقصى منى هوج الصبا من نعله آثار حملتك أمواج الفرات ومن رأى بحرًا سواك تقله الأنهار وتقطعت فرقًا ولم يك طودها إذ ذاك إلا جيشك الجرار رشت دماؤهم الصعيد فلم يطر منهم على الجيش السعيد غبار شكرت مساعيك المعاقل والورى والترب والآساد والأطيار هذي منعت وهؤلاء حميتهم وسقيت تلك وعم ذا الإيسار فلأملأن الدهر فيك مدائحًا تبقى بقيت وتذهب الأعصار ولما ترامينا الفرات بخيلنا سكناه منا بالقوى والقوائم فأوقفت التيار عن جريانه إلى حيث عدنا بالغنى والغنائم وقال الموفق عبد الله بن عمر الأنصاري - رحمه الله - وأجاد: السريع الملك الظاهر سلطاننا نفديه بالأموال والأهل اقتحم الماء ليطفي به حرارة القلب من المغل ثم توجه الملك الظاهر إلى نحو الديار المصرية فخرج ولده الملك السعيد لتلقيه في يوم الثلاثاء تاسع عشر جمادى الآخرة فاجتمع به بين القصير والصالحية في يوم الجمعة ثاني عشرينه فترجلا واعتنقا طويلًا ثم ركبا وسارا جميعًا إلى القلعة وبين يديهم أسارى التتار ركابًا على الخيل. ثم في سابع شهر رجب أفرج الملك الظاهر عن الأمير عز الدين أيبك الدمياطي من الاعتقال وكانت مدة اعتقاله تسع سنين وعشرة أيام ثم خلع الملك الظاهر على أمراء الدولة ومقدمي الحلقة وأعطى كل واحد منهم ما يليق به من الخيل والذهب والحوائص والثياب والسيوف وكان قيمة ما صرفه فيهم فوق ثلاثمائة ألف دينار. وفي سادس عشرين شعبان أفرج الملك الظاهر عن الأمير علم الدين سنجر الحلبي الغتمي المعزي. وفي يوم الاثنين ثاني عشر شوال استدعى الملك الظاهر الشيخ خضرًا إلى القلعة وأحضره قلت: والشيخ خضر هذا هو صاحب الزاوية بالحسينية بالقرب من جامح الظاهر. انتهى. وأحضر معه جماعة من الفقراء حاققوه على أشياء كثيرة منكرة وكثر بينه وبينهم فيها المقالة ورموه بفواحش كثيرة ونسبوه إلى قبائح عظيمة فرسم الملك الظاهر باعتقاله وكان للشيخ خضر المذكور منزلة عظيمة عند الملك الظاهر بحيث إنه كان ينزل عنده في الجمعة المرة والمرتين ويباسطه ويمازحه ويقبل شفاعته ويستصحبه في سائر سفراته ومتى فتح مكانا أفرض له منه أوفر نصيب فامتدت يد الشيخ خضر بذلك في سائر المملكة يفعل ما يختار لا يمنعه أحد من النواب حتى إنه دخل إلى كنيسة قمامة ذبح قسيسها بيده وانتهب ما كان فيها تلامذته وهجم كنيسة اليهود بدمشق ونهبها وكان فيها ما لا يعبر من الأموال وعمرها مسجدًا وعمل بها سماعا ومد بها سماطا. ودخل كنيسة الإسكندرية وهي عظيمة عند النصارى فنهبها وصيرها مسجدًا وسماها المدرسة الخضراء وأنفق في تعميرها مالًا كثيرًا من بيت المال. وبنى له الملك الظاهر زاوية بالحسينية ظاهر القاهرة ووقف عليها وحبس عليها أرضًا تجاورها تحتكر للبناء. وبنى لأجله جامع الحسينية. وفي يوم الاثنين سابع المحرم سنة اثنتين وسبعين وستمائة جلس الملك الظاهر بدار العدل وحكم بين الناس ونظر في أمور الرعية فأنصف المظلوم وخلص الحقوق ومال على القوي ورفق وفي العاشر منه هدمت غرفة على باب قصر من قصور الخلفاء الفاطميين بالقاهرة. ويعرف هذا الباب بباب البحر وهو من بناء الخليفة الحاكم بأمر الله منصور المقدم ذكره فوجد في القصر الذي هدم امرأة في صندوق منقوش عليها كتابة اسم الملك الظاهر بيبرس هذا وصفته وبقي منها ما لم يمكن قراءته. وفيها قبض على ملك الكرج وهو أنه كان قد خرج من بلاده قاصدًا زيارة القدس الشريف متنكرًا في زي الرهبان ومعه جماعة يسيرة من خواصه فسلك بلاد الروم إلى سيس فركب البحر إلى عكا ثم خرج منها إلى بيت المقدس فاطلع الأمير بدر الدين الخازندار على أمره وهو على يافا فبعث إليه من قبض عليه فلما حضر بين يديه بعثه مع الأمير ركن الدين منكورس إلى السلطان وكان السلطان قد توجه إلى دمشق فوصل إلى دمشق في رابع عشر جمادى الأولى فأقبل عليه السلطان وسأله حتى اعترف فحبسه في برج من أبراج قلعة دمشق وأمره أن يبحث من جهته إلى بلاده من يعرفهم بأسره فبعث نفرين. وخرج الملك الظاهر من دمشق ثالث عشرين جمادى الآخرة وقدم القاهرة يوم الخميس سابع شهر رجب من سنة اثنتين وسبعين المذكورة. ثم في يوم الخميس خامس عشرين شهر رمضان أمر السلطان العسكر أن يركب بالزينة الفاخرة ويلعب في الميدان تحت القلعة فاستمر ذلك كل يوم إلى يوم عيد الفطر ختن السلطان الملك الظاهر ولده خضرًا ومعه جماعة من أولاد الأمراء وغيرهم وكان الملك السعيد ابن الملك الظاهر في يوم الأربعاء سابع عشر شهر رمضان خرج من القاهرة وتوجه إلى دمشق ومعه شمس الدين آقسنقر الفارقاني وأربعون نفرًا من خواصه على خيل البريد وعاد إلى القاهرة في يوم الخميس الرابع والعشرين من شوال. وفي يوم الأحد سابع صفر من سنة ثلاث وسبعين وستمائة ركب الملك الظاهر الهجن وتوجه إلى الكرك ومعه بيسري وأتامش السعدي وسبب توجهه أن وقع بالكرك برج فأحب أن يكون إصلاحه بحضوره. ثم عاد إلى مصر فدخلها في يوم الثلاثاء ثاني عشرين شهر ربيع الأول فأقام بها مدة يسيرة. ثم توجه إلى دمشق وأقام به إلى أن أرسل في رابع عشرين المحرم سنة أربع وسبعين وستمائة الأمير بدر الدين بيليك الخازندار على البريد إلى مصر لإحضار الملك السعيد فعاد به إلى دمشق في يوم الأربعاء سادس صفر من السنة. وفي الثالث والعشرين من جمادى الأولى فتح حصن القصير وهو بين حارم وأنطاكية وكان فيه قسيس عظيم عند الفرنج يقصدونه للتبرك به وكان الملك الظاهر قد أمر التركمان وبعض العرب بمحاصرته وبعد أخذه عاد الملك الظاهر إلى مصر فلم تطل مدته به وعاد إلى دمشق فدخله يوم ثالث المحرم من سنة خمس وسبعين فأقام به مدة يسيرة أيضا وعاد إلى الديار المصرية في يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الآخر وأمر بعمل عرس ولده الملك السعيد واهتم في ذلك إلى يوم الخميس خامس جمادى الأولى أمر العسكر بالركوب إلى الميدان الأسود تحت القلعة في أحسن زي وأقاموا يركبون كل يوم كذلك ويتراكضون في الميدان والناس تزدحم للفرجة عليهم خمسة أيام وفي اليوم السادس افترق الجيش فرقتين وحملت كل فرقة على الأخرى وجرى من اللعب والزينة ما لا يوصف وفي اليوم السابع خلع على سائر الأمراء والوزراء والقضاة والكتاب والأطباء مقدار ألف وثلاثمائة خلعة وأرسل إلى دمشق الخلع ففرقت كذلك وفي يوم الخميس مد السماط في الميدان المذكور في أربعة خيم وحضر السماط من علا ومن دنا ورسل التتار ورسل الفرنج وعليهم الخلع أيضا وجلس السلطان في صدر الخيمة على تخت من آبنوس وعاج مصفح بالذهب مسمر بالفضة غرم عليه ألف دينار ولما انقضى السماط قدم الأمراء الهدايا من الخيل والسلاح والتحف وسائر الملابس فلم يقبل السلطان من أحد منهم سوى ثوب واحد جبرًا له فلما كان وقت العصر ركب إلى القلعة وأخذ في تجهيز ما يليق بالزفاف والدخول ولم يمكن أحد من نساء الأمراء على الإطلاق من الدخول إلى البيوت ودخل الملك السعيد إلى الحمام ثم دخل إلى بيته الذب هيئ له بأهله وحملت العروس فدخل عليها. ولما بلغ الملك المنصور صاحب حماة ذلك قدم القاهرة مهنئا للسلطان ومعه هدية سنية فوصل القاهرة في ثامن جمادى الآخرة فركب الملك السعيد لتلقيه ونزل بالكبش وأقام مدة يسيرة ثم عاد إلى بلده. ثم خرج الملك الظاهر بعد ذلك من القاهرة في يوم الخميس العشرين من شهر رمضان بعد أن استناب الأمير آق سنقر الفارقاني الأستادار نائبا عنه في خدمة ولده الملك السعيد وترك معه من العسكر بالديار المصرية لحفظ البلاد خمسة آلاف فارس ورحل من المنزلة يوم السبت ثاني عشر شوال قاصدًا بلاد الروم فدخل دمشق ثم خرج منها ودخل حلب يوم الأربعاء مستهل ذي القعدة وخرج منها يوم الخميس إلى حيلان فترك بها بعض الثقل وأمر الأمير نور الدين علي بن مجلي نائب حلب أن يتوجه إلى الساجور ويقيم على الفرات بمن معه من عسكر حلب ويحفظ معابر الفرات لئلا يعبر منها أحد من التتار قاصدًا الشام ووصل إلى الأمير نور الدين الأمير شرف الدين عيسى بن مهنا وأقام عنده فبلغ نواب التتار ذلك فجهزوا إليهم جماعة من عرب خفاجة لكبسهم فحشدوا وتوجهوا نحوهم. فاتصل بالأمير عليّ نائب حلب الخبرُ وكان يقِظًا فركِب إليهم وآلتقاهم وكسرهم أقبح كسْرة وأخذ منهم ألفآ ومائتي جمل. وأمّا الملك الظاهر فإنه ركِب من حَيْلانَ يوم الجمعة ثالث الشهر وسار إلىعيْنتَاب ثم إلى دُلُوك ثم إلى منزلة أخرى ثم إلى كَيْنُوك ثم إلى كُكْ صُو ومعناه الماء الأزرق باللغة التركيسة * ثم رَحَل عنه إلى أقجَادَرْبَنْد فقطعه في نصف نهار فلما خرجت عساكره وملكت المَفَاوِز قَدم الأميرُ شمس الدين سنْقُرَ الأشقر على جماعةٍ من العسكر وأَمَره بالمَسِير بين يديه فوقع على كَتِيبة التَّتار و عِدَّتُهم ثلاثة آلاف فارس ومقدمُهم كراي فهزمهم! سُنْقُر الأشقر وَأَسَرَ منهم طائفة. ذ لك في يوم الخميس تاسع ذي القعدة. ثم ورد الخبرُ على الملك الظاهر بأن عسكر الروم والتتَار مع البَرْوَانَاه اجتمعوا على نهر جَيحان فلمّا صَعد العسكرُ الجبلَ أشرف على صحراءابلسْتَيْن فشاهد التَّتارَ قد رَتَبوا عساكرَهم أحدَ عَشرطُلْبًا في كل طُلْب ألف فارس وعزلوا عسمكر الروم عنهم خوفًا من باطنِ يكون لهم مع المسلمين وجعلوا عسكر الكرْج طُلْبًا واحدًا فلمّا تَرَاءَى الجَمْعَانَ حَمَلت مَيْسرة الئتار حَمْلةً واحدة وصدمواسجَق الملك الظاهر ودخلت طائفة منهم بينهم وشقُّوا المَيْسَرة وساقوا إلى المَيْمَنة فلما رأى الملك الظاهر ذلك أَرْدفهم بنفسه ثم لاحت منه التفاتةٌ فرأى المَيْسرة قد أتت عليها ميمنةُ التتار فأمر الملك الظاهر جماعةً من أصحابه الشُجْعان بإردافها ثم حَمَل هو بنفسه - رحمه اللّه - فلفا رأتْه العساكر حَمَلت نحوَه برُمتها حملةَ رجل واحد فترخل التَّتَار عن خيولهم وقاتلوا قتالَ الموت فلم يُغنِ عنهم ذلك شيئأ وصَبَر لهم الملك الظاهر وعسكره وهو يَكُر في القوم كالأسد الضارِي ويقتحم الآهوال بنفسه ويُشجع أصحابَه ويُطيب لهم الموت في الجهاد إلى أن أنزل اللهّ تعالى نصره عليه وآنكسر التتارُ أقبح كَسْرة وقُتِلوا وأسِروا وفَرّ مَنْ نجا منهم فآعتصموا بالجبال فقصدتْهم العساكرُ الإسلامية وأحاطوا بهم فترجلوا عن خيولهم وقاتلوا فقُتِل منهم جماعة كثيرة وقُتِل ممن قاتلهم من عساكر المسلمين الأميرُ ضياء الدين ابن الخَطِير وكان من الشُجْعان الفُرْسان والأميرُ شرف الدين قيران العَلائي والأميرُ عز الدين أخو المحمديّ وسيفُ الدين قفجاق الجَاشْنَكِير والأميرُ أَيْبَك الشَّقِيفِيٌ - رحمهم الله تعالى وأسكنهم الجنة -. وأُسِر من كبار الروميين مُهًذّب الدين ابن مُعِين الدين البَرْوَانَاه وآبن بنت معين الدين المذكور والأميرُ نورالدين جبريل أبن جاجا والأميرُ قُطْب الدين محمود أخو مجد الدين الأتَابَك والأمير سِراج الدين إسماعيل أبن جاجا والأميرُ سيف الدين سُنْقُرجاه الزُوبَاشِيّ والأمير نصرة الدين بَهْمَن أخو تاج الدين كيوي يعني الصهر صاحبُ سِيواس والأمير كمال الدين إسماعيل عارض الجيش والأمير حُسام الدين كاوك والأميرُ سيف الدين بن الجاويش والأميرُ شهاب الدين غازي بن علي شِير التُّرْكُماني فوبّخهم السلطان الملك الظاهر من كونهم قاتلوه في مساعدة التتار الكَفَرة ثم سلمهم لمن آحتفظ بهم. وأسِر من مقد مي التّتار على الألوف والمئين بركة " صهر أَبْغا بن هولاكو ملك التتار وسَرْطَق وخيز كدوس وسركده وتماديه. ولما أسر من أسر وقتل من قتل نجا البرواناه وساق حتى دخل قيصرية يوم الأحد ثاني عشر ذي القعدة واجتمع بالسلطان غياث الدين والصاحب فخر الدين والأتابك مجد الدين والأمير جلال الدين المستوفي والأمير بدر الدين ميكائيل النائب فأخبرهم بالكسرة وقال لهم: إن التتار المنهزمين متى دخلوا قيصرية فتكوا بمن فيها حنقا على المسلمين وأشار عليهم بالخروج منها فخرج السلطان غياث الدين بأهله وماله إلى توقات وبينها وبين قيصرية أربعة أيام. وعملت شعراء الإسلام في هذه الوقعة عدة قصائد ومدائح من ذلك ما قاله العلامة شهاب الدين أبو الثناء محمود الحلبي كاتب المرج قصيدته التي أولها: الطويل كذا فلتكن في الله تمضي العزائم وإلا فلا تجفو الجفون الصوارم عزائم حاذتها الرياح فأصبحت مخلفة تبكي عليها الغمائم سرت من حمى مصر إلى الروم فاحتوت عليه وسوراه الظبا واللهاذم بجيش تظل الأرض منه كأنها على سعة الأرجاء في الضيق خاتم كتائب كالبحر الخضم جيادها إذا ما تهادت موجه المتلاطم تحيط بمنصور اللواء مظفر له النصر والتأييد عبد وخادم مليك يلوذ الدين من عزماته بركن له الفتح المبين دعائم مليك لأبكار الأقاليم نحوه حنين كذا تهوى الكرام الكرائم مليك به الدين في كل ساعة بشائر للكفار منها مآتم جلا حين أقذى ناظر الكفر للهدى ثغورا بكى الشيطان وهي بواسم إذا رام شيئًا لم يعقه لبعدها وشقتها عنه الإكام الطواسم فلو نازع النسرين أمرًا لناله وذا واقع عجزًا وذا بعد حائم ولما رمى الروم المنيع بخيله ومن دونه سد من الصخر عاصم يروم عقاب الجو قطع عقابه إليه فلا تقوى عليها القوادم ومنها: وسالت عليهم أرضهم بمواكب لها النصر طوع والزمان مسالم أدارت بهم سورًا منيعًا مشرفًا بسمر العوالي ما له الدهر هادم من الترك أما في المغاني فإنهم شموس وأما في الوغى فضراغم غدا ظاهرًا بالظاهر النصر فيهم تبيد الليالي والعدا وهو دائم فأهووا إلى لثم الأسنة في الوغى كأنهم العشاق وهي المباسم ومنها: فلا زلت منصور اللواء مؤيدًا على الكفر ما ناحت وأبكت حمائم ثم جرد الملك الظاهر الأمير سنقر الأشقر لإدراك ما فات من الترك والتوجه إلى قيصرية وكتب معه كتابًا بتأمين أهلها وإخراج الأسواق والتعامل بالدراهم الظاهرية. ثم رحل الملك الظاهر بكرة السبت حادي عشر ذي القعدة قاصدًا قيصرية فمر في طريقه بقرية أهل الكهف ثم إلى قلعة سمندو فنزل إليه واليها مذعنًا للطاعة ثم سار إلى قلعة درندة وقلعة فالو ففعل متوليها كذلك ثم نزل بقرية من قرى قيصرية فبات بها فلما أصبح رتب عساكره وخرج أهل قيصرية بأجمعهم مستبشرين بلقائه وكانوا لنزوله نصبوا الخيام بوطاة فلما قرب الظاهر منها ترجل وجوه الناس على طبقاتهم ومشوا بين يديه إلى أن وصلها. فلما كان يوم الجمعة سابع عشر الشهر ركب السلطان للجمعة فدخل قيصرية ونزل دار السلطنة وجلس على التخت وحضر بين يديه القضاة والفقهاء والصوفية والقراء وجلسوا في مراتبهم على عادة ملوك السلجوقية فأقبل عليهم السلطان ومد لهم سماطًا فأكلوا وانصرفوا ثم حضر الجمعة بالجامع وخطب له وحضر بين يديه الدراهم التي ضربت له باسمه. وكتب إليه البرواناه يهنئه بالجلوس على تخت الملك بقيصرية فكتب الملك الظاهر إليه بعوده ليوليه مكانه فكتب إليه يسأله أن ينتظره خمسة عشر يومًا وكان مراد البرواناه أن يصل أبغا ويحثه على المسير ليدرك الملك الظاهر بالبلاد فاجتمع تتاوون بالأمير شمس الدين سنقر الأشقر وعرفه مكر البرواناه في ذلك فكان ذلك سببا لرحيل الملك الظاهر عن قيصرية مع ما انضاف إلى ذلك من قلق العساكر فرحل يوم الاثنين وكان على اليزك عز الدين أيبك الشيخي وكان الملك الظاهر ضربه بسبب سبقه الناس فغضب وهرب إلى التتار. وكان أولاد قرمان قد رهنوا أخاهم الصغير علي بك بقيصرية فأخرجه الملك الظاهر وأنعم عليه وسأل السلطان في تواقيع وسناجق له ولإخوته فأعطاه وتوجه نحو إخوته بجبل لارندة. وعاد السلطان وأخذ في عوده أيضا عدة بلاد إلى أن وصل مكان المعركة يوم السبت فرأى القتلى فسأل عن عدتهم فأخبر أن المغل خاصة ستة آلاف وسبعمائة وسبعون نفسًا ثم رحل حتى وصلى أقجادربند بعث الخزائن والدهليز والسناجق صحبة الأمير بدر الدين بيليك الخازندار ليعبر بها الدربند وأقام السلطان في ساقة العسكر بقية اليوم ويوم الأحد ورحل يوم الاثنين فدخل الدربند. ثم سار إلى أن وصل دمشق في سابع المحرم سنة ست وسبعين وستمائة ونزل بالجوسق المعروف بالقصر الأبلق جوار الميدان الأخضر وتواترت عليه الأخبار بوصول أبغا ملك التتار إلى مكان الوقعة فجمع السلطان الأمراء وضرب مشورة فوقع الاتفاق على الخروج من دمشق بالعساكر وتلقيه حيث كان فأمر الملك الظاهر بضرب الدهليز على القصير وفي أثناء ذلك وصل رجل من التركمان وأخبر أن أبغا عاد إلى بلاده هاربًا خائفًا ثم وصل الأمير سابق الدين بيسري أمير مجلس الملك الناصر صلاح الدين وهو غير بيسري الكبير وأخبر بمثل ما أخبر التركماني فعند ذلك أمر الملك الظاهر برد الدهليز إلى الشام. وكان عود أبغا من ألطاف الله تعالى بالمسلمين فإن الملك الظاهر في يوم الجمعة نصف المحرم من سنة ست وسبعين ابتدأ به مرض الموت. مرض الملك الظاهر ووفاته لما كان يوم الخميس رابع عشر المحرم سنة ست وسبعين وستمائة جلس الملك الظاهر بالجوسق الأبلق بميدان دمشق يشرب القمز وبات على هذه الحالة فلما كان يوم الجمعة خامس عشره وجد في نفسه فتورا وتوعكا فشكا ذلك إلى الأمير شمس الدين سنقر الألفي السلحدار فأشار عليه بالقيء فاستدعاه فاستعصى عليه القيء فلما كان بعد صلاة الجمعة ركب من الجوسق إلى الميدان على عادته والألم مع ذلك يقوى عليه وعند الغروب عاد إلى الجوسق. فلما أصبح اشتكى حرارة في باطنه فصنع له بعض خواصه دواء ولم يكن عن رأي طبيب فلم ينجع وتضاعف ألمه فأحضر الأطباء فأنكروا استعماله الدواء وأجمعوا على استعمال دواء مسهل فسقوه فلم ينجع فحركوه بدواء آخر كان سبب الإفراط في الإسهال ودفع دمًا فتضاعفت حماه وضعفت قواه فتخيل خواصه أن كبده يتقطع وأن ذلك عن سم سقيه فعولج بالجوهر وأخذ أمره في انحطاط وجهده المرض وتزايد به إلى أن قضى نحبه يوم الخميس بعد صلاة الظهر السابع والعشرين من المحرم فاتفق رأي الأمراء على إخفائه وحمله إلى القلعة لئلا تشعر العامة بوفاته ومنعوا من هو داخل من المماليك من الخروج ومن هو خارج منهم من الدخول. فلما كان آخر الليل حمله من كبار الأمراء سيف الدين قلاوون الألفي وشمس الدين سنقر الأشقر وبدر الدين بيسري وبدر الدين بيليك الخازندار وعز الدين آقوش الأفرم وعز الدين أيبك الحموي وشمس اللين سنقر الألفي الظاهري وعلم الذين سنجر الحموي أبو خرص وجماعة من أكابر خواصه. وتولى غسله وتحنيطه وتصبيره وتكفينه مهتاره الشجاع عنبر والفقيه كمال الدين الإسكندري المعروف بابن المنبجي والأمير عز الدين الأفرم ثم جعل في تابوت وعلق في بيت من بيوت البحرية بقلعة دمشق إلى أن حصل الاتفاق على موضع دفنه. ثم كتب الأمير بدر الدين بيليك الخازندار إلى ولده الملك السعيد مطالعة بيده وسيرها إلى مصر على يد بدر الدين بكتوت الجوكنداري الحموي وعلاء الدين أيدغمش الحكيمي الجاشنكير فلما وصلا وأوصلاه المطالعة خلع عليهما وأعطى كل واحد منهما خمسين ألف درهم على أن ذلك بشارة بعود السلطان إلى الديار المصرية. ولما كان يوم السبت ركب الأمراء إلى سوق الخيل بدمشق على عادتهم ولم يظهروا شيئا من زي الحزن. وكان أوصى أن يدفن على الطريق السالكة قريبًا من داريا وأن يبنى عليه هناك فرأى ولده الملك السعيد أن يدفنه داخل السور فابتاع دار العقيقي بثمانية وأربعين ألف درهم نقرة وأمر أن تغير معالمها وتبنى مدرسة. انتهى. وأما الملك السعيد فإنه جهز الأمير علم الدين سنجر الحموي المعروف بأبي خرص والطواشي صفي الدين جوهر الهندي إلى دمشق لدفن والده الملك الظاهر فلما وصلاها اجتمعا بالأمير عز الدين أيدمر نائب السلطنة بدمشق وعرفاه المرسوم فبادر إليه وحمل الملك الظاهر من القلعة إلى التربة ليلا على أعناق الرجال ودفن بها ليلة الجمعة خامس شهر رجب الفرد وكان قد ظهر موته بدمشق في يوم السبت رابع عشر صفر وشرع العمل في أعزيته بالبلاد الشامية والديار المصرية.
|